قوله عز وجل: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} أي: طلبها وبحث عنها، والتفقد: طلب ما فُقِد، ومعنى الآية: طلب ما فقد من الطير، {فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} أي: ما للهدهد لا أراه؟. تقول العرب: ما لي أراك كئيبًا؟ أي: مالك؟ والهدهد: طائر معروف. وكان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه، قيل: إخلاله بالنوبة، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلا يظله وجنده الطيرُ من الشمس، فأصابته الشمس من موضع الهدهد، فنظر فرآه خاليًا.وروي عن ابن عباس: أن الهدهد كان دليل سليمان على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض، كما يرى في الزجاجة، ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض، ثم تجيء الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء. قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق: يا وصاف انظر ما تقول، إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب، فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال له ابن عباس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر. وفي رواية: إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر. فنزل سليمان منزلا فاحتاج إلى الماء فطلبوا فلم يجدوا، فتفقد الهدهد ليدل على الماء، فقال: ما لي لا أرى الهدهد، على تقرير أنه مع جنوده، وهو لا يراه، ثم أدركه الشك في غيبته، فقال: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} يعني أكان من الغائبين؟ والميم صلة، وقيل: «أم» بمعنى بل، ثم أوعده على غيبته، فقال: {لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}.